Ad Code

Responsive Advertisement

أخطاؤنا بين صحوة الضمير وقسوة الذات



"الخطأ معلم أمين"

قيمة الإنسان في خطئه وليست في عصمته. إذ تتجلى في ضعفه إنسانيته التي جبلت على الخطأ وطبعت على النقص. فهو ينمو ببذور أخطائه وإن سقيت بماء الألم والندم، يتعلم من خساراته مصطلحات الفوز، ينضج بنار الخطيئة، وينهض من هاوية السقوط. وكما قيل: "الخطأ معلم أمين" إذ يهدي ويرشد للصواب بعد المحاولة والإخفاق، ينير البصيرة بعد خذلان الظلام، ويوقظ من بعد غفلة. الأخطاء هي التي ربت الإنسان حسب رأي الفيلسوف فريدريك نيتشه، من ذلك نصل لحقيقة الخطأ، ونؤمن أن صراع الإنسان ليس مع أخطائه، بل مع مقاومة الوقوع فيها مجددًا مما يجعله يستخدم حيلا ودفاعات، أو قد يلوذ بالفرار ويفضل الاختباء منها.

 

الضمير الحارس الأمين على الفضيلة

 يظل الإنسان بين خطأ وزلة، تربكه حماقاته وتنهكه السقطات حتى يستيقظ الضمير على أنين الألم الذي يصدره ذلك الإنسان، فيبدأ بتأنيبه برحمة وتهذيبه بلطف، فيصلح الخطأ ويسكن الألم. ولأن الضمير الحارس الأمين على الفضيلة فإنه يحول دون انتهاكها بهدوء دون أن يهدد سلام الإنسان مع نفسه. هو فقط يوقظ الأخلاقيات وينبه القيم الداخلية لتأخذ رد فعل أمام الخطأ. يجعلنا نتساءل ماذا فعلنا؟ ولماذا؟ يذيقنا طعم الندم دون قتلنا، يعاتبنا دون قسوة، ينهرنا وينهانا خوفا علينا. يعيدنا لنسختنا الحميدة، ويأخذ بيد الحق ليتجلى أمامنا. تأنيب الضمير لا يقتل، بل يحيي داخلنا ألف روح. فنبقى أحياء مادامت ضمائرنا فينا حية، ونبقى بتأنيب الضمير بألف خير حتى يتشوه ذلك الضمير، ويتحول التأنيب إلى جلد، فتبدأ محاكمة الذات وسجنها بين قضبان الندم والألم، وتصبح مراجعة النفس محاربة لها. عندما يبالغ الضمير في اليقظة، ويأخذ دور الجلاد، فإنه يرفض ارتكاب الأخطاء، يرفض التقصير، ويحاسب بلا رحمة، بل ينتقل لمرحلة العقاب قبل الحساب، يربي داخلنا شعور العجز والنقص، لا يبني أبدًا فضيلة، بل يهدم كل معاني الإنسانية السوية.

 

الوجود الحتمي للأخطاء

إن كان للخطأ قيمة فإن الاعتراف به فضيلة. فالعار لا يقطن في ارتكاب الأخطاء وإنما في إنكارها ومعاودتها والإصرار عليها. وفي الحديث النبوي الشريف " كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" بل وفضل الله جل وعلا من يذنب فيستغفر على من لا ذنب له كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم". ذلك يؤكد على أن الطبيعة البشرية مجبولة على الخطأ، وأن الحياة قائمة على الصواب والخطأ، فهو جزء أصيل في التكوين الإنساني لا يمكن إنكاره أو رفضه. حياة بلا أخطاء ضرب من خيال، وإنسان بلا عيوب ليس في هذه الحياة، فعلينا إدراك حقيقة الوجود الحتمي للأخطاء في حياتنا وتقبلها ثم التصالح معها بإصلاحها والسماح للضمير بأن يأخذ دوره الطبيعي تجاهها دون إفراط أو تفريط والدخول في مرحلة جلد الذات.

 

 صلح مع الذات

مهما ارتكبت من حماقات ومهما أسرفت في الزلات هناك دائمًا خط رجعة. اسمح لصوتك الداخلي أن يعاتبك ليحميك، ولكن لا تقسوا على نفسك. لا تطل محاسبة النفس على الخطأ بل سارع في إصلاحه. ستنجو بتأنيب الضمير لأنه قوة تدفعك للتعلم والإصلاح أما لو تم جلدك فسينتهي أمرك. لذا عليك أن تعرف الحد الفاصل بين الضمير المعاتب والآخر الغاضب، وعليك أن تستمع للأول وتفر من الآخر، لأن ارتكاب الأخطاء لا يؤذي بقدر ما يؤذي ما يأتي بعدها من جلد الذات.  

 

 

منال الرحيلي


إرسال تعليق

0 تعليقات

Ad Code

Responsive Advertisement