ثمة شعور في داخلنا لا ندركه رغم وهم الوعي الذاتي، شيء كالفراغ الذي
ليس له خيار ناجح، ربما يملأه الوهم أحيانا، ولكنه يبقى خاويا بنقاط سوداء تنتظر
الإجابة. نحن ندرك أننا لسنا بخير، ولكننا اعتدنا التعايش مع هذا الشعور، حتى
اختلفت أشياء فينا، قد يكون انطفاء، وقد يكون تلبسنا بعض من الشحوب، برغم أنه
مازالت تتعرف على وجوهنا كل الأشياء إلا انعكاسات المرايا.
لقد سقط منك شيء من روحك، في
الوقت الذي كنت تتجه فيه نحو الحياة، حتى فقدت ملامحك وهج الحياة. أنت لا تشعر أنك
تمشي على الأرض، بل تشعر وكأن الأرض تمشي من تحتك، ربما تسير وتواصل رحلتك، ولكن
في اتجاه ليس من الاتجاهات الأربع، تتوقف في محطات لا تشبهك، ولكنك مرهق لأن جزء
منك مفقود. الغريب أنك اعتدت هذا الغياب، غياب جزء منك، حتى أصبحت بطل بلا قصة، وقصيدة
بلا قافية. تمارس حياتك، ولكن بدور صاحب الظل الطويل مجهول ليس عند الناس، بل عند
نفسك.
لقد أضعت جزء منك، عندما حاولت أن تكون أي شيء آخر إلا نفسك، محاولة
لمجاراة من يهمك، أو مداراة من تحب، أو إثبات لوجودك. عندما قدمت التنازلات لمن لا
يستحق. عندما سلبت نفسك مبادئها وقناعاتها، وانتزعت حقها في التفرد والاختلاف، لأن
مبدأ الاختلاف يربكك ويتقاطع مع طمأنينة مساحاتك. والغريب أنك عندما لحقت بالقطيع،
لم تلحق بالطمأنينة. تحاول أن تسلك سبلا أخرى إلا الطريق الذي يعيدك إلى
نفسك. تمضي ويمضي الفراغ الداخلي معك، تحاول أن تبحث عن أي شيء يرقع خواءك، ويسد
ثغرة في روحك، مكابرا على نفسك، متظاهرا أنك بخير وأنك مكتمل.
قد تعاني من فقدان جزء منك قسريا بسبب خذلان النفس، أو خيبة ممن تحب،
أو فقد لشخص غالي عليك غادر ومعه قطعة من روحك. أعي تماما أن الموقف هنا يختلف
كليا، لأنك لم تزهد بذرة من روحك، ولم ترخصها، وأنك حريص على البقاء مكتملا، ولكن
الظروف والأقدار أحيانا تهزمنا، وتسلبنا ما لا نحب خسارته، وتأخذ شيئا منا. جميعنا
خضنا هذا النوع من الفقدان، ذقنا مرارة الخذلان، حتى شعرنا أننا على وشك الانهيار.
تساءلنا كيف ستكون الحياة بعدها، كيف سنمضي بنفس تآكل جزء منها، ولكن إيماننا
بالله وقوة يقيننا بأن الله أودع في كل إنسان من القوة ما تكفيه للتخطي والمواصلة
والانطلاق للحياة من جديد كانت كفيلة للبقاء متماسكين.
ابحث عن جزئك المفقود، ولملم شتات نفسك لتعود ذلك المخلوق الفريد الذي
أودع الله فيه مكامن الأمل، الأمل الذي بفسحته اتسع لنا العيش. لتعود ذلك الإنسان
الذي ما أزهرت الحياة إلا به، وما اتسعت البسيطة إلا له. سخر كل شيء لنا لنعيش
الحياة التي لا تخلو من الألم بقلب حي، وبروح قوية، ويقين تام أن كل شيء قابل
للتعويض، وأن كل مفقود له بديل، إلا روحك.
منال الرحيلي

0 تعليقات