حين تبصر يصبح من الصعب أن تغلق عينيك، وحين تفهم عليك أن تحتمل ثقل الإدراك وألم المعنى.
الوعي... ذلك الهدف الذي نسعى سالكين سبل المعرفة للحصول عليه، وتلك
المرحلة التي نتباهى بالوصول إليها، الوعي الذي من المفترض أن يكون منطقة للراحة،
وحبل للنجاة، ما هو أحيانا إلا ثقل وتعب، أو قد يكون "لعنة" مع تحفظي
على هذه الكلمة، ولكن حقيقة قد يكون الوعي ما هو إلا عقاب. عندما نصل لمرحلة الوعي
نكون قد فقدنا عندها جزء من راحة بالنا وسلامنا الداخلي، فكلمنا اتسع مجال الرؤية
ضاقت معه سعة الصدر. كلما فهمنا أكثر سقطت أقنعة أكثر، وماتت مشاعر أعظم. تتجلى
لنا تفاصيل وتتضح لنا أمور لا يمكن التغافل عنها، مهما أعمى أبصارنا وميضها.
أن تكون واعيا يعني أن ترى ما لا يرى
كان الله في عونك حين يمسك انتباه تتمنى لو تنحى عن طريق يؤدي إليك.
لأنك أصبحت ترى وتدرك أشياء بألوان لا تناسب ذائقتك، وبعضها قد يؤذي عينيك. أن
تكون واعيا يعني أنك تقرأ ما بين السطور، وتفهم ما وراء الكلمات. يعني أنك تسمع
الصمت، وتفهم الملامح، وتشعر من غير تعبير. في الوعي ستبحث الحقيقة عنك مهما تهربت
منها. لن تستطيع أن تتجاهل أمور معرفتها مؤلمة، فقد وصل إدراكها إلى عمقك.
نعمة الجهل وراحة اللاوعي
كثيرا من الأسئلة جمالها أن تبقى بلا إجابات، لأن بعض الإجابات خيبات.
كثيرا ما تكون السلامة في الجهل، والأمان في اللاوعي، كثيرا ما كانت الغفلة نعمة
وراحة. مشكلة الإنسان أنه لحوح في المعرفة، ومحبا للفضول بطريقة قد تكون منهكة
لروحه وعقله. نسأل كثيرا وقد نقع في شرك الإجابة، نفتش في داخل الفوضى ونغرق في
تفاصيلها، نسبر الأغوار ونغوص في كل عمق بدون أن نعرف طريق العودة. نعم الجهل نعمة
عندما تكون المعرفة نارا تحرق قلب من اقترب منها. وكما قال أفلاطون: "كلما
تعلم الإنسان، ازداد ألما"
راحة البال سلعة غالية لا يمكن الحصول عليها إلا بتقديم الكثير من التنازلات. تنازل عن الوعي، تنازل عن المعرفة، وعن كل ما يشبع فضولك. من الأسلم لك في بعض الأمور أن تختار ألا تفهم. لن يضرك إن تعاملت مع غموض وضوحه يؤذيك، لن تخسر لو بقي بعض الشعور مبهم، لأن الراحة في أن نبقى على السطح حيث النور والأمان، فلن تجد في الأعماق إلا الظلام والخذلان. جميل أن تترك مسافات ليس لها قياسات بينك وبين الناس، أن تسمح للمساحة بينكم أن تزهر بدلا من اقتحامها دهسا بأقدامك. لا تتجاوز لتعرف، ولا تتخطى حدودا ما ورائها يربك. لا تجعل الحوار جلسة أسئلة، دع ما خفي عنك يبقى في الخفاء آمنا. ليس لك أن تعرف كل شيء ولست مطالبا بكشف الحقائق. لا تفتح أبواب لست مؤهلا لدخولها، ابق بعيدا عن أوجاع أنت في غنى عنها.
راحة البال سلعة غالية لا يمكن الحصول عليها إلا بتقديم الكثير من التنازلات. تنازل عن الوعي، تنازل عن المعرفة، وعن كل ما يشبع فضولك. من الأسلم لك في بعض الأمور أن تختار ألا تفهم. لن يضرك إن تعاملت مع غموض وضوحه يؤذيك، لن تخسر لو بقي بعض الشعور مبهم، لأن الراحة في أن نبقى على السطح حيث النور والأمان، فلن تجد في الأعماق إلا الظلام والخذلان. جميل أن تترك مسافات ليس لها قياسات بينك وبين الناس، أن تسمح للمساحة بينكم أن تزهر بدلا من اقتحامها دهسا بأقدامك. لا تتجاوز لتعرف، ولا تتخطى حدودا ما ورائها يربك. لا تجعل الحوار جلسة أسئلة، دع ما خفي عنك يبقى في الخفاء آمنا. ليس لك أن تعرف كل شيء ولست مطالبا بكشف الحقائق. لا تفتح أبواب لست مؤهلا لدخولها، ابق بعيدا عن أوجاع أنت في غنى عنها.
"كلما زاد وعيك، ضاقت خياراتك، لأنك لم تعد تستطيع أن تختار ما يشبه الجهل"
نجد في مقولة نجيب محفوظ تحذيرا من التمادي في مسار الوعي، وأننا حين
نختار الوعي علينا أن نعتني جيدا باختياراتنا لأن الوعي مسئولية تحتاج قوة ومرونة
في نفس الوقت. عندما تختار الوعي عليك أن تستوعب أفضلية السكوت على الكلام، ومرارة
القبول على شجاعة الرفض. إن اخترت الوعي، فكن واعيا لما فيه خيرك وصلاحك. كن واعيا
بنفسك، بقرارك. ومالا يصب في مجرى نفعك، فدعه في ظلال الجهل يتفيأ، خيرا من أن
يحرق في شمس وعيك، وتحرق معه.
- منال الرحيلي
0 تعليقات