بين رجفة عقل وحكمة قلب يتقاطع المنطق مع العاطفة وتصطدم الفكرة بالنبضة
خلقنا بعقل
يفكر، يدبر، ينقب عن المكنون، ويزن بمقياس المنطق. وبالمقابل خلقنا بقلب يشعر،
يدفعه الحب مرة، ويسحبه الكره مرات، وبين شعور ونقيضه يحكم القلب بقانون العاطفة. اعتدنا
أن نسير بين خطين لا نتجاوزهما، أحدهما بارد كالعقل، والأخر دافئ كالقلب. ولكن
ماذا لو ماهت الخطوط، وامتزجت الحدود، وتداخلت الطبائع، وتبدلت الأدوار. ماذا لو
أصبح الواقع أعقد من أن تتم مواجهته ببساطة القلب واستقلالية العقل.
حين بدأ العقل يشعر
اعتدنا أن يكون
العقل هو الرجل الرشيد، والشيخ الحكيم لحيرتنا. أعتدنا أن نحتمي به كلما أخذتنا
موجات العاطفة بعيدا عن شواطئنا الآمنة. فهو أداة النجاة، وطوق الأمان، إذ يحلل،
ويخطط، ويقرر بهدوء. ولكن شيء ما يحدث لهذا العقل، شيء خارج عن طبيعته وكأنه بدأ
يشعر بالملل من دوره الجامد، أو كأنه أنهك من هول المواقف التي ينصب فيها كقاضي، أو
كحكم في ملعب تعمه الفوضى والأخطاء. لقد بدأ يشعر، يتعب، يتألم. أصبح يتساءل
بعاطفة، ويتأمل المشاعر. يسترجع الذكريات ويعيد التفكير في قرارات اتخذها قبل سنوات
ليلوم نفسه على قرار اتخذه بالأمس كان سببا لألم يعيشه اليوم. كثيرا ما يقسو على
نفسه في الحساب كجلاد لا يرحم، ليس لأنه أصبح يفكر بصواب، بل لأنه بدأ يشعر. وإذا
شعر العقل كان تملك العاطفة له أشد. شعور العقل لا يعني الدخول في مرحلة تخبط وفقدان
هوية، بل يعني الدخول في مرحلة التفكير بإنسانية أكثر، واتخاذ قرار برحمة. يعني
عدم المكابرة على المشاعر وتقبلها بمرونة. شعور العقل يعني أننا نتقبل أي شيء قد
يكون مخالف لقوانينه وإعطائه مساحة للأخذ، والعطاء، والشد، والجذب. مما يجعل كل
الأفكار تنصب قي قوالب الشعور فيصبح إدراكها أكثر واقعية وأبعد عن الشكل التجريدي.
عندما يشعر العقل نتصالح مع كل المشاعر، ما دامت طبيعية، وفطرية، وجزء من تكويننا
البشري، بدون متلازمة تأنيب الضمير.
تعقل القلب
عندما شعر
العقل، تعقل القلب. ميزان إلهي طبيعي بين أهم عضوين يحكمان حياة الإنسان بكل
تفاصيلها بأمر منه. يعملان بديناميكية عالية بطريقة لا نتصورها، حيث لا يحيد أحدهم
حتى يأخذ الآخر مكانه. ولا يتوقف أحدهم عن عمله إلا وضخ الآخر فيه الحياة بطريقة
ما. نجد أن أحدهم يعير الآخر شيئا من جوهره، ويمده بقليل من روحه. عندها يتباطأ
شعور القلب وكأنه بدأ يتعلم الحذر ويجيد صياغة الأسئلة. أصبح يفكر، يتردد، يخشى الانجراف
في تيار العاطفة فالعقل قد يأخذ وضع المتفرج والمتأمل. أصبح لا يعول على المنطق في
إنقاذه، لذا أصبح يتعقل، ويزن الأمور، ويسأل كثيرا ماذا لو؟. فالحب عنده ليس
كالتعلق، وحب النفس ليس أنانية، والاعتزاز بها ليس غرورا. أصبح يقف عند المعدلات
الطبيعية للشعور ولا يتجاوزها، يميز الطبيعي منها عن الشاذ. والأجمل أنه أقدر على
إلزام نفسه بالمقبول والمعقول من دون إكراه أو ممارسة أي ضغط نفسي لأنه الآن أعرف
بحدوده الآمنة التي رسمها هو بنفسه ليحمي العاطفة التي تحمل مسؤوليتها من الاندفاع
والاستنزاف.
صراع أم توازن؟
قد نتساءل عن
هذا التداخل، هل هو آمن؟ هل هو احتضار المنطق على يد العاطفة؟ أم أنه مرحلة الوعي
المؤلم؟
ستخنقنا الأسئلة الكثيرة التي ربما لا نجد لها إجابات. وليس من الضروري أن نجد الإجابات الكاملة، فبعض النقص مهم لنستمر في الحياة لنبحث عما يسد الفراغ ويكمل الناقص فيها. تستمر الحياة وتختلف الأدوار وننقلب بين عاطفة ومنطق بغض النظر عمن يقوم بكل دور ونستمر في التساؤل من أين تبدأ الحكمة؟ وأين تنتهي العاطفة؟
إذا وصلنا إلى هذه المرحلة من التفكير، فهذا يعني أننا لا نعيش ببساطة كما كنا. لأننا أصبحنا نشعر بالفكرة، ونفكر بالشعور، نحلل المشاعر، ونستشعر التحليل. لقد أصبحنا أكثر وعيا، ولكن أكثر ازدواجية. لذلك نحتاج أن نشعر بعقل، ونفكر بقلب، لننجو من تعارض المنطق مع العاطفة، ونصل إلى منطقة تسع الاحتمالات، وتتقبل الاستثناءات، بطريقة تحفظ طمأنينة حياتنا وسلامنا مع المتغيرات حولنا.
أخيرا.. وكما
قال جبران خليل جبران:
" العقل دون عاطفة يجعل الإنسان آلة، والعاطفة دون عقل تجعله ضائعا. الحكمة هي أن تعرف متى تصغي لكل منهما"
منال الرحيلي
ستخنقنا الأسئلة الكثيرة التي ربما لا نجد لها إجابات. وليس من الضروري أن نجد الإجابات الكاملة، فبعض النقص مهم لنستمر في الحياة لنبحث عما يسد الفراغ ويكمل الناقص فيها. تستمر الحياة وتختلف الأدوار وننقلب بين عاطفة ومنطق بغض النظر عمن يقوم بكل دور ونستمر في التساؤل من أين تبدأ الحكمة؟ وأين تنتهي العاطفة؟
إذا وصلنا إلى هذه المرحلة من التفكير، فهذا يعني أننا لا نعيش ببساطة كما كنا. لأننا أصبحنا نشعر بالفكرة، ونفكر بالشعور، نحلل المشاعر، ونستشعر التحليل. لقد أصبحنا أكثر وعيا، ولكن أكثر ازدواجية. لذلك نحتاج أن نشعر بعقل، ونفكر بقلب، لننجو من تعارض المنطق مع العاطفة، ونصل إلى منطقة تسع الاحتمالات، وتتقبل الاستثناءات، بطريقة تحفظ طمأنينة حياتنا وسلامنا مع المتغيرات حولنا.
" العقل دون عاطفة يجعل الإنسان آلة، والعاطفة دون عقل تجعله ضائعا. الحكمة هي أن تعرف متى تصغي لكل منهما"
0 تعليقات