في زاوية ما في داخلنا، توجد بقعة معتمة ومساحة لا تصلها الشمس. حيث تتوارى كل العقد والأخطاء والخطايا، مكان تسكن فيه نقائصنا وعيوبنا وكل ما يشعرنا بالعار والخزي، محاربين كل علامات الوضوح من أجل دفنه حيا داخلنا. ونحن إذ نفعل ذلك، لا نفعله لأننا مراوغين أو لأننا نقتات في علاقاتنا على الغش والخداع. بل لأن من حقنا أن نبقي لنا شيئا بعيدا عن الناس، شيئا منا نتعامل معه في الخفاء، مهذبين ومصلحين بدون تقريع الآخرين وتجريح الناس. حقا.. لنا الحق في التعايش مع عيوبنا بسلام، والتصالح مع أخطائنا من أجل تصحيحها بهدوء. وقد قال أحدهم: " أعظم المعارك تخاض في أعماق النفس، حيث لا يرانا أحد".
نحن في رحلة مستمرة مع الذات منذ ولادتنا وحتى لحظة الوفاة. فنحن أقرب وأدرى بأنفسنا من غيرنا. نعم كل واحد منا على دراية كاملة بنفسه، ولكن المشكلة أن أكثرنا لا يعطي نفسه فرصة التقرب لذاته ومكاشفتها. بل أكثرنا يميل للنزوح بعيدا عنها، وترك التقصي في داخلنا للآخرين. فنستمد معرفتنا لأنفسنا من الخارج، وهذه أعظم جناية نقترفها في حق أنفسنا. فنتقن الإنكار ونجيد الهروب من كل شيء يرتبط بالداخل.
قد يكون خوفنا من الشعور بالألم مبررا لمحاولة الإنكار والابتعاد عن ظلماتنا. قد يكون عدم قدرتنا على الغوص في أعماقنا أيضا سببا اخر، ولكن لا بأس من المحاولة، وملامسة بعض الجراح، والاقتراب من القاع. لا بأس أن نمر بدهاليز أرواحنا المظلمة، ملتمسين الضوء في أبعد نقطة فيها، من أجل إحياء ما يمكن، وتضميد مواطن النزف لنعود من جديد، بنسخة أفضل، وروح أجمل، ورغبة متجددة في الحياة بشكلها الطبيعي، والتمتع بها من غير متطلبات عالية ومواصفات مبالغ فيها. إذ أن جمال الحياة أن تعاش كماهي، وجمال النفس أن تبقى بطبيعتها، مع تحسين ما يجب تحسينه بدون تغيير جوهرها.
أخيرا.. يمكنني أن أدعوك الآن لتتأمل.. ليس في كلماتي.. بل في أعماقك.. أعماقك التي لا يصلها غيرك..
والتي حاولت من خلال كلماتي تسليط الضوء عليها لعلك تجد طريقك لها. اجلس مع نفسك
واسألها:
هل أنا حقا ما
أنا عليه أمام الناس؟
هل هناك ما
أخشى اطلاع الناس عليه؟
هل الجهات
المظلمة في داخلي تشكل تهديد داخلي علي؟
كيف أعيد النور
للبقع المظلمة في نفسي؟
ما النسخة
الأفضل مني التي أريد أن أصل إليها؟
ولا تنسى أن
بعض الإجابات ماهي إلا شعور. وتذكر دائما " ليس فينا جانب مظلم لندفنه، بل
لنفهمه، فالفهم ضوء."
0 تعليقات