Ad Code

Responsive Advertisement

بين الظلام والنور مساحة منسية


بين الظلام والنور مساحة منسية


فراغ بين قوسين

عندما يقرر ذلك الإنسان أن تكون الحياة بلا خيارات متعددة، وعندما ينكر وجود الألوان ليحيا بين الأسود والأبيض، عندما يلغي الفواصل، ولا يعترف بالقوائم، يعيش أسيرا بين الأضداد، رهينة لدى المعدلات القصوى فإنه يصبح مشوها معرفيا ومضطرب فكريا. فهو لا يعرف الاستقرار إلا في قمة أو قاع. تجده يفضل الظلام على نور خافت، فمنهجه في الحياة إما الكل أو اللاشئ. إنسان لا يتكيف مع الاحتمالات، ولا يقوى على التفسيرات، فالظاهر لديه واحد من اثنين لا يعترف بثالث أو آخر، وكأن الأرقام عنده تلاشت. نمطه المبالغة في التفكير والغلو في المشاعر، بطريقة تتعقد فيها حياته وتفقد مرونتها، فلا يجد الراحة في أي طرف يميل له. ذلك الإنسان حرر نفسه من قيود الأسئلة، ومنع عقله من شرف الحيرة، لأنه باختصار.. الأجوبة لديه دائما حاضرة فإن لم يكن كذا فهو حتما كذا.

 

التعددية وفضاء الاحتمالات

لا يمكن اختزال حياة مفتوحة في ثنائية مطلقة. كل شيء وارد وكل احتمال قد يرتقي لحقيقة. إن لم تحب جارك فهذا لا يعني بالضرورة أنك تكرهه، وعندما لا تحقق أداء عالي في وظيفتك لا يعني بالمقابل أنك فاشل. الحياة لا تنحصر بين كلمة وضدها، فهي أوسع من شعور ونقيضه، وفكرة وعكسها. كل شعور وله درجات بحيث لا يمكن القفز بين الأعلى والأدنى فيه متجاوزين ما بينهما. أما الفكرة فهي لا تنبثق فجأة بشكل كامل، بل لابد أنها مرت بمراحل حتى نضجت. لو لم يكن للحياة إلا جانبين، لما كان للشعور لذة التعبير، ولا للخطأ تبرير. من الصعب أن تضيق حياتك وتخنقها بين قبضتي الصواب والخطأ، وألا تعرف من الإجابات إلا نعم ولا، وتظل تبحر بين ضفتين قد لا تجد عليهما مقومات الحياة. لقد انهيت حياتك بتجمدك في قالب التفكير الثنائي، بقبول الكل ورفض التفاصيل، بالتعميم دون استثناء، بصرامة الرأي دون مرونة، بالحكم دون نقاش، بتبني نظرتك الذاتية وتجاهل الآخرين. أنت دائمًا غير راض، لأنك دائمًا تقول: "دائمًا"، وتكتب "أبدًا" للتعبير عن رأيك دون أن تعطي باقي الاحتمالات فرصة الوجود.

 

"تكمن الفضيلة بين طرفين متناقضين"

نستنتج من مقولة الفيلسوف أرسطو أن مستوى الأمان في السلوك والتفكير دائما ما يكون في المناطق الوسطى، بحيث تقترب التناقضات من بعضها بطريقة آمنة، وتندمج مع بعضها بسلاسة فينشأ فكر معتدل بأخلاقياته، واعتقاداته، وعواطفه. التوسط يسمح للاختلافات بالتصافح فتستمر بدون أن يلغي أحدهما الآخر. كلما ابتعدنا عن الأطراف في خط التفكير والشعور كلما ابتعدنا عن الانحراف والميل، وتقبلنا الاحتمال والممكن. لقد أصبح الاعتدال، والتقبل، والتوسط فضيلة لأن المغالاة في التفكير والشعور جريمة في حق الذات الإنسانية. من أنت حتى تتعسف وتجعل لمعادلة الحياة حل واحد، بينما أحكام الدين قابلة للاجتهاد، وفي أحيان كثيرة يتغير بعضها لتناسب الزمان والمكان. يتغير ترتيب مناسك للتخفيف وعند الحاجة "افعل ولا حرج" كل ذلك لأن الدين الإسلامي رسالة وسطية واعتدال، قائم على مبدأ الرحمة والرفق بدون تشدد وتضييق على النفس، فمن أنت حتى تضيق عليك وعلى غيرك.

 

ستعاملك الحياة بالمثل

لا تُمارس الحياة بهذه الطريقة، ولا تُعاش الأيام بالتصلب والتحجر في رأي واحد أو تفسير لا يقبل التبرير.  مبدأ الأبيض والأسود لن يروق غيرك في التعاملات، ولن تستمر به العلاقات فالخاسر الأكبر أنت. عندما لا تسمح بأي منطقة رمادية في حياتك معناها أنك ترفض الألوان، وترفض الإصلاح، فإما ما أريد أو لا شيء. تفضل الحرمان على نصف عطاء، تختار العدم على بعض من كل. في الأمر سعة، وللموقف احتمالات، وللسؤال إجابات، ارفض من شئت بدون أن تكره، أسقط وانهض، حاول حتى تنجح. اعط غيرك فرصة ليشرح فكرته، ليبرر زلته، لا تغلق الأبواب وتضيع الفرص، ارض بالنقص فالكمال البشري خرافة.

أخيراً.. أذكرك بأن الحياة مرنة قابلة للتشكيل، فهي تأخذ شكل القالب الذي تسكبها فيه، قالب أفكارك ومعتقداتك، فكما تكون أنت ستكون لك الحياة، وستنعكس صورتك الداخلية على صفحة أيامك.

 

منال الرحيلي


إرسال تعليق

0 تعليقات

Ad Code

Responsive Advertisement