كيف تكون الإرادة الجوهر الحقيقي للعالم كما يراها
الفيلسوف شوبنهاور
منذ أن ولد الإنسان، ولدت بداخله إرادة تحركه للأمام وتدفعه للبقاء
وتجعله يتمسك بالحياة. هذه القوة الداخلية قوة محفزة للاستمرار حتى وإن كانت كل
المؤشرات تدعو للتوقف. منذ الصرخة الأولى، وعند الخروج لمقابلة الدنيا، يقدم
الإنسان إعلان مضمونه "أنا هنا". عند محاولته الوقوف ليمشي خطوات عاثرة
باتجاه أمه، تراه يخطو مرة ويسقط عشرات، ثم ينهض ليعيد الكرة، وتعيد الخيبة دورها،
حتى إذا يأس من قدميه، حبا على يديه، ليعلمنا أنه لم يفقد الأمل إلا من قدميه وليس
من نفسه. إنها قوة الإرادة التي خلقت بداخله ليواجه بها الحياة لينمو، ويتطور، فيصل.
الإرادة تصميم
واع على فعل شيء ما
عرف لسان العرب الإرادة ووسمها بالوعي. إذ هي ليست اندفاع أعمى، أو
رغبة مؤقتة، أو إصرار فارغ. إذ هي كما أراها، كل ما ملأ قلبك يقينا، وأخذ بجوارحك
نحو تحقيقه، خاضعا له عقلك. الإرادة قوة داخلية عظيمة تحول صور المستحيل إلى أحلام،
والأحلام إلى أهداف، والأهداف إلى واقع تعيشه. إذاً يمكننا القول إن الطريق إلى
المستحيل هو عبارة عن إرادة بوعي وعمل مستمر. ويؤكد الدكتور محمد بيصار على وعي
الإرادة بتعريفه "الإرادة ليست نزوعا ما نحو شيء من الأشياء دون تفكير أو
شعور، وإنما هي نزوع معين قائم على وجهة نظر كثيرا ما تكون مدعمة بالحجة، فهو أولا
مسبوق بالتأمل والنظر ثم هو ثانيا متجه إلى غاية من الغايات". من هنا نجد أن
الإرادة ليست فقط قوة، بل هي أيضا ذكاء، وإدراك ذاتي، واتصال فعال بالنفس بما تكنه
من أفكار ومشاعر.
طريقا تختاره حتى ولو كان معبدا بالألم
عندما تكون معركتك مع أفكارك، مع قراراتك، تأكد أنك تخوض أقسى أنواع
المعارك. عندما تنجح في إقناع الآخرين فقط لتسكت أفواههم، فهذا لا يعني أنك قادر
على إقناع نفسك، لأنه ليس من السهل أن تسكت عقلك، صوتك الداخلي الذي لا يهدأ، ليس
سهلا أن تكابر على رغباتك ولو كابرت على العالم بأسره. ليس سهلا أن تقاوم قوة
بداخلك تدفعك لفعل شيء، واتخاذ قرار، حتى ولو كان يأخذك باتجاه ليس مفضل، ولكنك
تجد فيه السلامة، أو تجد فيه تحديا تقوي به نفسك. قد يكون لوجهه ليست مضمونة،
ولكنها مدروسة. دائما ما نرغب بتحقيق شيء ما، نرغب بالوصول لمرحلة نحلم بها منذ
الطفولة، أو مكانة لم نتخيل أنفسنا إلا فيها. يبقى كل ذلك أحلام قد تختلط بأوهام
حتى تدخل حيز الإرادة، فتصبح طريق بلا عودة، وقرار بلا رجعة. إنها قوة الإصرار وقبول
التحدي. عندما تؤمن أنك قادر على عبور الأبواب وإن ضاقت، عندما ترى بقعة الضوء تلك
التي تراها عندما تغمض عينيك، وعندما تمضي بدون تردد لأنك تعلم أنك تريد وبشدة ما
أنت مقبل عليه، لن يوقفك شيء، ولن تستسلم حتى وإن دخلت في قلب العاصفة. لن تتخلى
عن قرار تتمسك فيه بشدة، اعتمده عقلك وختم على صلاحيته وعيك. ولأنك تعلم أنك
ستواجه تحديات استعددت لها بقلب قوي وإرادة لا تنثني. من يمتلك الإرادة الحقيقية
لن يستسلم للظروف والعقبات، ولن يتخلى عن شرف المحاولة وشرف السعي.
نريد، ولكن
ليست كل القرارات سليمة وليست كل المسارات آمنة، ولكننا نحاول أن ننجو
بعقولنا وليس بعواطفنا، نحاول أن نتحرر من قيود الخوف، وسلاسل التردد بالمضي
للأمام والتوكل على الله، لا نكثر الالتفات، نتناسى كل الاتجاهات، إلا اتجاه واحد،
نمضي بعزم ونعلم يقينا أننا نريد ما نحن متجهين إليه بقوة. وبما أننا في الأصل بشر،
نصيب ونخطئ، نفخر بقرار، ونندم على الآخر، ولكن تبقى الأمور بيد الله وتبقى إرادته
سائدة، ومشيئته نافذة، وما علينا سوى التسليم عندها والرضى. فالخير دائما فيما
يختاره الله لنا.

0 تعليقات