تدفق الحياة بين مد وجزر..
الحياة بطبيعتها في حركة سير مستمرة لا تتوقف وإن توقفنا. مزدحمة
بالأيام والأحداث والمشاعر. نحن نعيش في عالم لا يهدأ، عالم متسارع في كل شيء،
معرض للصدمات والتقلبات. ضجيج في كل مكان، ضجيج يحيط بك، واخر في داخلك. التزامات
وتساؤلات، ومسئوليات لم يسعها جدولك. شعور يأخذك للأعلى وآخر يسحبك للأسفل. وتستمر
دوامة الحياة، وتبقى في داخل حلقاتها تتأرجح بين رغبات وواجبات. تسابق الوقت،
وتصارع الفوت، لعلك تصطاد شيئا من الزمن. تتفلت منك الأمور بدون قصد حتى تشلك
الخيبات، فتدخل في مواجهة مع النفس، لائما ومعنفا لها رغم تفانيها. لقد بذلت كل
شيء حتى نسيت نفسك، وأحرقت كل فتيل كان من المفترض أن تلتمس به نورا. ثم ماذا؟ لا
شيء. لم تحقق سوى التراجع للوراء مع جهد مرتفع، وفي أحسن الحالات، ستبقى في نفس
المكان مع زيادة الفوضى.
التوازن صمام الأمان للحياة السعيدة..
في لحظة ما تستيقظ من وجع الضياع، تتوقف فجأة لتنظر أين وصلت. يفاجئك
الإدراك ليصفعك بالحقيقة. حقيقة أنك أخفقت رغم تعبك، لأن الحياة لا تعاش بهذه
الطريقة. الحياة تعاش بالتوازن، وليس بالتفاني أو التراخي. وذلك يتحقق عندما تختار
المعدلات الوسطى، عوضا عن الحدود العليا أو الدنيا في التعامل مع جوانب الحياة
المختلفة. ستدرك أن الإنجاز في مجال ما في حياتك لا يعني الإهمال في مجال آخر. وأن
النجاح في عملك لا يتحقق على أنقاض عائلتك. ستؤمن أن لكل جانب في حياتك حقه من
الاهتمام والبقاء في مستوى يناسبه حتى لا تنهار الحياة. الحياة ميزان إن لم توازن
بين كفتيه ستضحي أحدهما بالأخرى. وازن بين عقلك وقلبك، وازن بين حياتك الخاصة
وحياتك العملية، وازن بين احتياجاتك ورغباتك، وضع حدودا لا تخرج عنها عند القيام
بواجباتك، واضبط ساعة داخلية تنبهك متى تتوقف. ولا تنسى نفسك وتقدمها قربانا
لإرضاء الآخرين، وتذكر دائما أن رضى الناس غاية لا تدرك مهما قدمت، ولكن راحتك
تدرك وسعادتك تصنع، لو تعلمت كيف توازن بين ما لك وما عليك. لو ألفت بين جوانب
الحياة، وتفاعلت معها بانسجام فتعطي كل جانب حاجته من الوقت والجهد.
عندما يصبح التوازن أسلوب حياة، تصبح الحياة بخير..
التوازن واقع وليس ضرب من خيال، لأنه يعلمك أن تقضي يومك مع بقاء بعض
الفراغات فيه، أن تترك مساحة هدوء في داخلك، أن تنجز دون أن تحرق، أن تنجح دون أن
تنهك، أن تحب دون أن تنكر نفسك. التوازن يحفظك ويحافظ عليك من الذبول تحت مظلة
الإنجاز والالتزام. هو اتساق الأشياء مع بعضها، وانسجام الأضداد بطريقة تضمن
البقاء والاستمرار للحياة بطريقة صحية. يعلمك التوازن كيف تحل معادلات الحياة، كيف
تسكب الشاي في كوبك دون أن يفيض، يعلمك كيف توفق بين النبضة والفكرة، وكيف تتصالح
مع العدو وتحاسب الحبيب. يجعلك لا تسعى للكمال، ولا تطلب المثالية، لأنك أصبحت
وسطا معتدلا متزنا بلا إفراط ولا تفريط. كل الأمور تسير في مجاريها الصحيحة، وبتوقيتها
المناسب، مع قليل من الجهد وكثير من الحكمة. بالاتزان ستعيش بواقعية حياة بسيطة هانئة،
بدون نزاعات داخلية أو خلافات خارجية، لأنك ستسقى الطمأنينة، وتوفق في حياتك.
فعلاقاتك جيدة، وأمورك منجزة، ونفسك راضية.
توازن الكون وتناغم الطبيعة..
برغم أن الحياة بطبيعتها تدعونا للتشتت داخل الفوضى، إلا أن بإمكاننا أن نخلق نوعا من التناغم عندما نحاكي الطبيعة. لو تأملنا قليلا، لوجدنا أن الظلام لا يدوم، وأن لحضور الشمس مكان وتوقيت. لو نظرنا للسماء سنجد أنها احتوت الشمس والقمر، لو تأملنا الانسجام بين أدوارهم، والتناغم في الحضور والغياب، وتعاقب الشروق والغروب،(لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) لعرفنا أن الحياة تستمر بالتوافق والاتفاق، وتصبح صالحة للعيش بالتوازن والانسجام. تقاسمت اليابسة والمياه الأرض، وكلا أخذ نصيبه الذي يحفظ حياة الكوكب، الشجر احتوى الورق والثمر، والأزهار رغم رقتها استوعبت الفراشات، يهطل المطر بغزارة فتتكفل الأرض بامتصاص الماء. كل ذلك ليس بشكل عبثي، بل بمنتهى الدقة والتوازن، بحيث لا يطغى جانب على الآخر، ولا يلغي شيء وجود نظيره. وما هذا إلا صنع الله، وإبداع الخالق الذي يسر به الكون، وسخره للحياة. فلنتأمل ونتعلم.
0 تعليقات